أسامة داود يتساءل : 1.5 مليار دولار في المستودعات بلا عائد : من المسؤول؟ ( 2 )

أسامة داود يتساءل : 1.5 مليار دولار في المستودعات بلا عائد : من المسؤول؟ ( 2 )

هل هو مشروع قومي أم كانت زفة إعلامية؟


29 مستودعًا بتكلفة مليارية بلا عائد


دراسات غائبة وتوقعات وهمية


معادلة خاسرة: قروض تثقل القطاع بلا مردود


مَن المستفيد الحقيقي من المستودعات الصامتة؟


إنجازات على الورق.. وأعباء على الأرض


من «إنجازات جينيس» إلى عبء ثقيل على القطاع


قبل سنوات، وتحديدا فى ديسمبر 2021 بشّرت البيانات الرسمية المصريين بإنجاز تاريخي: دخول مستودعات تخزين الزيت الخام التابعة لوزارة البترول موسوعة جينيس للأرقام القياسية، باعتبارها بجانب ضخامة سعاتها التخزينية، انه تم تنفيذها بإستخدام تقنية جديدة فى إنشاء السقف العائم المزدوج والمتحرك.. تصدرت صور الوزير السابق المهندس طارق الملا وهو يتسلم شهادات التكريم الصفحات الأولى، فيما امتلأت المواقع الإخبارية بعناوين تحتفي « بـإنجاز قومي» جديد. لكن بمرور الوقت، تكشّف أن هذه الصروح  التي كلفت الدولة مليارًا ونصف المليار دولار، لم تخرج من كونها «زفة» إعلامية تحوّلت اليوم إلى عبء مالي يثقل كاهل القطاع.

مشروع بلا رؤية

المستودعات – وعددها 29 – توزعت على مناطق رأس غارب، ورأس بدران، ورأس شقير، وعجرود، وابتلعت استثمارات ضخمة تم تدبيرها عبر قروض وصلت إلى نحو 19 مليار جنيه، وقت أن كان سعر الدولار 15 جنيهًا.

السؤال الذي ظل بلا إجابة: لماذا هذا المشروع؟ ما الأسس التي اعتمدت عليها الوزارة في اختيار مواقع الإنشاء؟ وكيف أمكن ضخ هذه الأموال في وقت كان فيه إنتاج البترول المصري في تراجع مستمر؟ بسبب عدم سداد مستحقات الشركاء الاجانب مما أثر على عمليا البحث والاستكساف وتنمية الحقول وبالتالى الانتاج.

الوزير السابق روّج للمستودعات بوصفها «ذراعًا استراتيجية» لمصر في سوق الطاقة، ومخزونًا للطوارئ، ومنصة لوجستية لدعم إنتاج خليج السويس. لكن الواقع على الأرض يقول العكس: المستودعات قائمة بلا استغلال، بينما الإنتاج الفعلي للحقول التي قيل إنها ستغذيها يتراجع حتى هبط اليوم إلى أقل من 10% مما كانت تنتجه المنطقة في أوجها.

تساؤلات بلا إجابة

هل أُجريت دراسات دقيقة لتوقعات إنتاج خليج السويس قبل الشروع في المشروع؟ هل استندت القرارات إلى خطط واقعية، أم إلى توقعات متفائلة بلا سند؟ وهل من المنطقي أن يُطلق مشروع قومي بهذا الحجم دون رؤية شاملة تضمن استدامة تشغيله وعائده الاقتصادي؟

الأدهى أن بدائل الاستخدام لم تُطرح حتى في مرحلة التخطيط. فإذا كانت الحقول المحلية لا تكفي لملء المستودعات الموجودة أصلًا، فلماذا مضاعفة الطاقة المعطلة؟

ولو افترضنا حسن النية في القرار، فهل كان هناك تصور لاستخدام هذه السعات في استيراد الخام؟ هل أبرمت الوزارة اتفاقيات مع دول منتجة تضمن تدفق الإمدادات، بحيث تتحول مصر إلى مركز إقليمي لتخزين النفط وإعادة تصديره؟ حتى الآن، الإجابة: لا.

من المستفيد؟

في غياب الشفافية، تظل الشبهات تتكاثر: من المستفيد الفعلي من مشروع ضخم لم يدخل الخدمة؟ هل هناك أطراف حصدت امتيازات مالية أو لوجستية من بناء سعات تخزينية ظلت خاوية؟ هذه الأسئلة المشروعة لم تجد طريقها للإجابة وسط صمت رسمي مطبق.

أما المستودعات القديمة في شقير، ورأس بدران، وغارب، وعجرود، فقد واجهت المصير نفسه: أصول مهجورة، بلا خطة لإعادة تأهيلها أو استثمارها، رغم مواقعها الاستراتيجية التي تسمح باستخدامها كمراكز لوجستية تدعم تجارة البترول عبر قناة السويس وخليج السويس.

معادلة خاسرة وإهدار موارد

اليوم، يقف قطاع البترول أمام معادلة خاسرة: مستودعات تكلفت مليارًا ونصف المليار دولار، جرى تمويلها عبر قروض أرهقت ميزانية القطاع، لكنها لا تضيف شيئًا إلى الإنتاج أو الإيرادات. حتى دخولها موسوعة جينيس، الذي كان مصدر فخر وقت التنفيذ، لم يتحول إلى قيمة اقتصادية ملموسة.

والأخطر أن المشروع افتقر منذ البداية إلى خطة لتأمين الإمدادات، سواء من الإنتاج المحلي أو عبر اتفاقيات استيراد. في ظل عشوائية القرارات وتغييب التخطيط، ومع تصفية الكفاءات داخل القطاع وإقصاء من يعترض، تحولت هذه المستودعات إلى عبء ثقيل على الدولة، فيما خرج المسؤولون عن القرار  للتقاعد بلا حساب.

زفة انتهت بصمت

عقب انتهاء «الزفة الإعلامية» التي أحاطت تدشين المشروع، أُغلق الملف بصمت؛ لا تقارير متابعة، ولا بيانات عن التشغيل، ولا عوائد تبرر هذا الإنفاق الملياري. ظل المشروع، الذي وُصف يومًا بـ«القومي»، مجرد خرسانة تتآكل تحت شمس الصحراء، فيما يواصل إنتاج خليج السويس هبوطه الحاد.

خلاصة المشهد

مليار ونصف المليار دولار جرى إنفاقها في مشروع لم يُستخدم، وسط أسئلة مفتوحة عن أسباب اختيار التوقيت والمواقع، وآليات تدبير التمويل، والجدوى الاقتصادية، والجهات التي دفعت نحو التنفيذ. ومع استمرار صمت المسؤولين، تظل الحقيقة الوحيدة أن المشروع الذي احتفي به كـ«إنجاز تاريخي» صار اليوم عبئًا ثقيلًا على القطاع وخزانة الدولة.

فهل يتم الحساب؟ أم نكتفي بالانتقال من مرحلة الزفاف لعرس افتراضى، إلى حالة سكون، ثم دفن ملف المستودعات التى تتحمل الدولة خسائرها المليارية وبالعملة الصعبة فى صمت!.